خليج القرصان الفرنسى ....
دافنى دى مورييه
مقدمة
سيكون بين ايديكم معشوقتى الخاصة التى تأخذنى بسطورها لعالم بعيد وتأسرنى بمغامرتها وجنونها
من كتر قرائتى لها لم اعد استطيع ان احصى كم من المرات سافرت معها وتجولت وجريت كالاطفال بين صفحاتها
فاتمنى ان تعجبكم وتنال رضاكم وتفاعلكم معها
تحياتى لكم
رواااااااااااانا
مقدمــة
تنحدر دافنى دى مورييه من أب مشهور وجد لايقل عنه شهرة , فقد كان جدها , جورج دى مورييه فنانا وكاتبا مشهورا , وكان والدها السير ,,ميرالد دى مورييه ,, ممثلا ذائع الصيت أيضا , وقد كتبت دافنى دى مورييه قصة عائلتها فى كتاب عنوانه *عائلة دى مورييه * .
وهى أيضا مؤلفة لعدد من القصص الناجحة للغاية مثل ( حانة جاميكا ) وقد ظهرت عام 1936 و( ربيكــا ) عام 1938 . وخليج القرصان الفرنسى عام 1942.
واقترنت دافنى فى عام 1932 برجل من رجال السلك العسكرى اللامعين , وهو السير فريدريك براونينج. وقد عاشت فى كونوال سنوات عديدة , بالرغم من انها من مواليد لندن . وهى تعرف الاماكن التى وصفتها فى قصصها .
وتقع اغلب احداث قصتنا هذه فى الحى الذى يقع بجوار نهر هلفورد (الخريطة ) وعند فووى (الخريطة 45).
أما زمن الاحداث فيقع فى ابان حكم الملك شارل الثانى ملك انجلترا (1660_1685) . وكان هناك الكثير من الحماقات حينذاك فى لندن وحول بلاط الملك , ولقد كانت دونا سانت كولمب بطلة الرواية عندما غادرت لندن هاربة الى كورنول , انما تبغى النجاة بنفسها من ذلك الجو الصاخب التافه الذى اقترن بعودة الملكية .. وهناك فى كورنول قامت بمغامرتها الكبرى ..
.................
الفصل الاول
لقد حدثت تغييرات كثيرة فى ..ناثرون.., وحول نهر * هلفورد *منذ أن ذهبت * دونا سانت كولمب * إلى هناك . كانت هاربة من حياتها فى لندن مصطحبة الطفلين والحاضنة .وكان ذلك نتيجة فكرة مفاجئة طبعا . فقد كانت تتصرف دائما فى حياتها الخاصة بوحى الافكار الفجائية .
تزوجت * هارى * بدون تفكير حريص , بسبب ضحكه_ فإن طبيعته الهازئة الكسولة قد أعجبتها _ولانها ظنت أن تعبير عينيه يعنى اكثر مما هو فى الواقع _لكنها أدركت ذلك الآن ,بعد فوات الأوان ..ولكن لا,لم يكن * هارى * المسكين بسكره وغبائه هو الذى يجب أن يلام . بل ولا حتى الحياة الخالية من العقل التى عاشاها معا , ولا أصدقاؤهما , ولا القذارة وحرارة الصيف فى لندن , ولا حديث البلاط الفارغ الذى لا يزال يتردد فى أذنيها . وإنما هى نفسها التى كان يجب توجيه اللوم اليها .لقد كانت تهرب من نفسها !
ربما كانت ترابيس النافذة لم تمس منذ شهور .. فقد كانت متصلبة نتيجة عدم الاستعمال , وقد لقيت * دونا * مشقة فى معالجتها بعض الوقت . ثم فتحت النافذة على مصراعيها وأتاحت للهواء المنعش وللشمس أن ينفذا الى داخل الحجرة .
ورأت فى زجاج النافذة انعكاس صورة الخادم وهو واقف خلفها . وكان بمقدورها أن تقسم بأنه كان يبتسم , لكنها عندما استدارت رأته متجهما وقورا مثلما كان لحظة وصولها . كان رجلا طويلا نحيلا , ذا فم ضيق ووجه أبيض بشكل غريب.
قالت :
_ انى لااتذكرك , فانك لم تكن هنا عندما جئنا من قبل.
قال :
_ لا , ياسيدتى .
_ما اسمك ؟
_وليم , ياسيدتى .
لقد نسيت أن اهالى كورن يتكلمون بطريقة غريبة للغاية , تكاد تكون غير مفهومة تماما , افترضت على الاقل ان لغته هى لغة اهالى كورن .
قالت :
_لا شك اننا قد سببنا قدرا كبيرا من المتاعب , بوصولنا المفاجىء وفتح المنزل . لقد ظل المكان مغلقا وقتا طويلا بالطبع . فالتراب فى كل مكان , ويدهشنى أنك لم تلحظ ذلك .
ترى أكان الرجل يضحك منها حين قال :
_لقد لحظت هذا يا سيدتى , ولكن حيث انك لم تحضرى ابدا الى * نافرون * فانه لم يعد من الضرورى تنظيف الحجرات .. ان من العســــير أن يشعر المرء بالحماس فى أداء عمل لا يراه أحد !
قالت دونا وقد سرى عنها :
_ حقا , فالسادة الكسالى , يصنعون خدما كسالى ؟
فقال بوقار :
_ بالطبع يا سيدتى .
قالت :
_ هلا تفضلت برؤية ان كل الحجرات فى البيت قد كنست ونفضت .. وان كل الفضيات قد نظفت .. وان الزهور قد وضعت فى اماكنها من الحجرات .. وان كل شىء قد تم عمله على خير وجه , كما لو لم أكن كسولة , بل كأننى أعيش هنا منذ سنوات عديدة !
قال :
_ سيكون هذا مصدر سرورى الخاص , يا سيدتى !
ثم انحنى وغادر الحجرة , وتبينت * دونا * بشىء من الضيق انه قد سخر منها ثانية وليس علانية , ولكن كما لو كان فى الخفاء من خلف عينيه .
فقفزت من النافذة وحطت على العشب الناعم أمام المنزل . لقد قام البستانيون بعملهم أمس او أول أمس , عندما وصلت الأخبار التى تنبىء بقدومها .. يا له من ضيق قد سببته ولاشك عندما اقتحمت على الناس هنا صفو حياتهم الهادئة , وعكرت صفو هذا الرجل الغريب المدعـو * وليم * ! .. وهل كانت طريقته فى الكلام ,كورنية , حقا ؟..
ومن مكان ما , من النافذة المفتوحة فى جانب آخر من المنزل , أمكنها أن تسمع صوت * برو * اللائم , وهى تطلب ماء ساخنا للاطفال , وهديرا عاليا من * جيمس * يا له من طفل صغير مسكين .. لا يحب أن يغتسل ويستحم ويجرد من ملابسه .. !
ثم سارت عبر فتحة فى الاشجار كانت تتذكرها منذ جاءت الى هنا اخر مرة .. كانت على صواب .. فلقد كان هناك النهر بالاسفل , متألقا هادئا , والشمس تشع فوقه فى هدوء , وثمة نسمة من الهواء تحرك سطحه . لابد أن يكون هناك قارب بمكان ما .. يجب ان تتذكر ان تسأل * وليم * عما اذا كان هناك قارب .. وبمقدورها أن تستقله وتتركه يجملها الى البحر . يجب أن ياتى * جيمس * أيضا . ويمكن لكل منهما أن يغمس يديه ووجهه فى الماء . فتقفز الاسماك من الماء , وتغرد حولهما طيور البحر ..
يا له من شىء رائع , أن ينأى المرء بنفسه أخيرا , أن يهرب , أن يتحرر من قيوده , أن يعرف انه على بعد أكثر من ثلاثمائة ميل من لندن ومن بلاط الملك شارل , ومن ابتسامة * روكنجهام * الكريهة وعينى * هارى * الناعستين المرتبكتين ..
كانت الشمس تغرب الآن خلف الاشجار .. وكان النهر بالاسفل يضرب لونه الى حمرة تثير الضيق . بينما كان * وليم * يضىء الشموع فى القاعة . لقد تناولت عشاءها متأخرة , وأكلت باستمتاع لم تعهده , جالسة وحدها عند طرف المنضدة الطويلة , بينما كان * وليم * يقف خلف كرسيهما منتظرا فى سكون .
قالت :
_ وليــم ..
_ سيدتى !
_ أخبرتنى وصيفتى ان الخادمات بالطابق الاعلى مستجدات على المنزل , وانك ارسلت فى طلبهن عندما سمعت بوصولى ؟
_ هذا صحيح تماما يا سيدتى .
_ماذا كان السبب , يا وليم ؟ لقد كنت اعتقد _واعتقد ان السير * هارى * يعتقد نفس الشىء_ أن * نافرون * بها دائما هيئة كاملة من العاملين .
_ لقد بدا لى يا سيدتى , ويحتمل ان اكون مخطئا_ ان عليك ان تقولى_ ان خادما واحدا عاطلا بالمنزل فيه الكفاية . وقد عشت خلال السنة الاخيرة فى وحدة تامة .
فتطلعت اليه من خلف كتفها قائلة :
_ كان بمقدورى أن افصـــلك لهذا السبب يا * وليم *
_ أجل يا سيدتى .
_ومن المحتمل أن افعل ذلك فى الصباح .
_ اجل يا سيدتى .
واستمرت تأكل الفاكهة , وهى تفكر فيه , وقد تملكها الضيق وآثار همومها أن تجد خادما يمكن يكون من الصعوبة بحيث لا يمكن فهمه . ولكنها عرفت أنها لا تنوى فصله .
_ لنفرض يا وليم اننى لم افصلك .. فماذا اذن ؟
_ سأخدمك باخلاص يا سيدتى .
_كيف يمكننى التأكد من ذلك ؟
_لقد خدمت دائما من احبهم باخلاص يا سيدتى .
لم تحر جوابا ازاء هذا , لان فمه الصغير المزرور لم يبد علامة من علامات الشعور تختلف عما كان عليه من قبل , كما ان عينيه لم تقولا شيئا , ولكنها شعرت فى قلبها انه لم يكن يسخر منها الان , وانه كان صادقا فى كلامه .
وغادرت الحجرة دون ان تنبس بكلمة , عالمة انها قد وجدت صديقا فى هذا الرجل النحيل المثير للفضول . وضحكت خفية من نفسها , وهى تفكر فى * هارى * وكيف سيتطلع الى عينيها الواسعتين , دونما فهم : ( إن الرجل لا يحترم أحدا , ويحتاج لأن يجلد بالسوط ! ) .
بعد فترة من الوقت صعدت الى حجرة نومها , ومرت على حجرات الأطفال لترى ما اذا كان كل شىء على ما يرام .. كانت * هنرييتا * تبدو أشبه بتمثال من الشمع , وخصلات شعرها الناعمة تحيط بوجهها , بينما كان * جيمس * بحاجبيه المعقودين مستغرقا فى نومه . ويبدو أشبه بكلب صغير سمين غضوب . وحركت يده الكامنة داخل الغطاء , وقبلتها . وفيما هى تفعل هذا فتح عينا وابتسم . وغادرت الحجرة فى هدوء , شاعرة بالخجل من رقتها نحوه . لا شك أنه سيكبر ليكون بدينا وفظا غليظ القلب , ويصيب بالتعاسة حياة امرأة ما ..
ثمة شخص _ انه * وليم * فيما تعتقد _ قد قطف بعض الزهور ووضعها بحجرتها تحت صورة لها . لقد ملأت الحجرة بعبير قوى وحلو . ونظرت الى صورتها باهتمام . أأملك أنا ذلك الفم النهم ؟ وتلك النظرة النافذة الصبر تلوح من العينين ؟ أكنت أبدو على هذا النحو منذ ست او سبع سنوات مضت ؟! .
وتساءلت اذ هى فى الفراش يداعب اجفانها النعاس . وترقب القمر يرسم اشكالا على الارض , اية رائحة كانت تلك الرائحة التى فرضت نفسها بالزهور _ انها رائحة أقوى . لقد بدا انها تنبعث من درج تحت المنضدة , ومدت ذراعها وفتحت الدرج ونظرت بداخله . كان ثمة كتاب هناك , وعلبة من التبغ . لقد كان التبغ , طبعا , هو ما شمته . تناولت العلبة . كان التبغ بنى اللون وناعما وطازجا , لا شك أن * وليم * لا يجرؤ على النوم فى سريرها , وان يرقد هناك وهو يدخن , ويتطلع الى صورتها ؟.. لو حدث ذلك لكان أمرا لا يغتفر .
كان ثمة شىء بخصوص التبغ , شىء لا يماثل * وليم * لابد انها مخطئة _ ومع ذلك _ اذا كان * وليم * قد عاش هنا لمدة سنة وحده ؟
وفتحت الكتاب _ أكان يقرأ الكتب , أيضا ؟ وكانت الآن أشد ارتباكا من ذى قبل , لأن الكتاب شعر , شعر فرنسى , تأليف الشاعر * رونسار * وقد كتب أحدهم بداخل الغلاف * ج , ب , أ *_ *فنيستير * .. وبأسفله رسم صورة بالغة الضآلة لطائر من طيور البحر .