هى فوبيا مرعبة .. قاتلة لاصحابها وتصورنا لها اكثر رعبا وشفقة فى ذات الوقت
فوبيا... ترتبط بلون احمر محبب للكثيرين لكن للبعض .... الامر يختلف تماما
فوبيا بلون الدم ..........
فوبيــا الــــدم
* من منا يمكن أن يدّعى، وبصدق، أنه شخص بلا مخاوف؟!
علماء النفس يؤكِّدون أنه، حتى أشجع وأقوى الرجال، لا يمكنه أن يدّعى هذا، ولو فعلها فهو كاذب حتماً، وهم يتحدونه أن يجتاز بقوله هذا اختبار جهاز كشف الكذب بنجاح!!..
هذا لأن ما من مخلوق حى بلا مخاوف..
ففى أعمق أعماق كل منا، هناك حتماً خوف ما، من شئ ما، يحتل مساحة ما، من عقولنا، أو قلوبنا، أو أى مكان آخر من أجسادنا..
خوف سجلته عقولنا الباطنة، فى لحظة ما، ربما لا تبتعد كثيراً عن لحظة مولدنا، واختزنته، وأخفته فى بقعة مظلمة، لا تضاء إلا بعامل مساعد، أو فعل شرطى منعكس، وعندئذ فقط تسترجع العقول الخفية ذلك الموقف القديم، وتستعيده، وتطلقه فى العقل الواعى، و…
ونخاف..
ومخاوف البشر لا حصر لها؛ إذ أنها ترتبط بأى شئ، وكل شئ، ويمكن فى بعض الأحيان أن تكمن فى لحظات أو أشياء لا يمكن أن تثير ذرة واحدة من الخوف، فى نفس أى مخلوق طبيعى، كملعقة فضية مثلاً، أو نوع بعينه من السجائر، أو دقات الساعة، أو أى أمر آخر..
وهذا هو العامل المساعد، الذى يضئ تلك البقعة المظلمة فى أعمق أعماقنا، ليفجِّر خوفنا، ورعبنا، وفزعنا، وهلعنا، وكل تلك المشاعر، الذى تطلق عليه القواميس الطبية والعلمية اسم (الفوبيا)..
و(فوبيا) هو مصطلح لاتينى، يعنى الخوف من شئ ما، ويمكن ربطه بكل أنواع المخاوف المعتادة، وغير المعتادة أيضاً، وعندما يحدث هذا، فنحن نشير إلى نوع خاص من الخوف..
النوع المرضى.. جداً..
فالخوف من الأماكن المظلمة أو المغلقة، هو أمر طبيعى، عند الكثير من الناس، ولكنه عند البعض الآخر يتحوَّل إلى (فوبيا)، أو خوف مرضى، عندما يواجه هؤلاء البعض الموقف بارتعاشات عنيفة، وعرق غزير، وأعراض قد تبلغ حد التخشُّب، أو الغيبوبة التامة، أو حتى الموت، فى حالات نادرة ومحدودة..
ومن أشهر تلك المخاوف، التى يعرفها ملايين البشر، الخوف من رؤية الدم، ذلك السائل الحيوى، الذى يجرى فى عروقنا، وتخفق به قلوبنا، وينقّى الهواء فى رئتينا، مع عشرات الوظائف الأخرى..
وارتباط الإنسان بالدم ارتباط عجيب للغاية، فهو يعشقه عندما يجرى فى عروقه، ويورِّد وجنيته، ويملأ قلبه، ويعلن حيويته وقوته ونشاطه، بل ويسعى دوماً إلى أية أطعمة أو مشروبات، يقال عنها أنها قادرة على تقويته، وتنشيطه، ودفعه أكثر وأكثر فى أوعيته الدموية، وخلاياه الحية، وحتى نصف الحية..
أما لو تدفَّق هذا الدم خارج جسده، أو حتى خارج أجساد الآخرين، فهى الطامة الكبرى، والكارثة، والمصيبة، ومصدر الرعب والهلع، و…
و(الفوبيا) أيضاً فى بعض الأحيان..
فالعديد من البشر لا يمكنهم رؤية الدم البشرى، أو حتى الحيوانى، دون أن ترتجف أجسادهم، وترتعد خلاياهم، وتسرى فى كيانهم قشعريرة باردة كالثلج، وتتسع عيونهم فى هلع..
وبعض البشر قد يصرخ لمرأى الدم، أو يفقد الوعى، أو تنتابه الكوابيس لأسابيع طويلة، وكأنما رأى وحشاً كاسراً..
هذا لأن الدم يرتبط فى أذهاننا جميعاً بالحياة، وفقدانه يعنى دوماً الموت والفناء، وعندما يرى المصابون بهذه (الفوبيا) الدماء، تقفز أذهانهم فوراً إلى تصوّر الموت..
موتهم هم بالطبع..
ولأن كل المخلوقات الحية تخشى الموت، فإن عقولهم الباطنة تدفع فى عقولهم الواعية كل المخاوف المختزنة فيها، فيبلغ رعبهم ذلك الحد المرضى العنيف للغاية..
ولابد وأن نستثنى هنا الجراحين، والجزارين، وعمال وموظفى بنوك الدم، وكل من يحتم عليه عمله رؤية الدم طوال الوقت..
ولكن حتى هؤلاء، تبقى فى أعماقهم لمحة من خوف الدم..
وهذا ما أدركه كتاب الرعب، ومخرجو السينما الغربية، عندما أغرقونا بسلسلة من الأفلام حول مصاصى الدماء، الذين ينشطون ليلاً، ويرقدون فى أعمق أعماق توابيتهم نهاراً، وينقضون دوماً على الأوردة العنقية لضحاياهم، ليغرزوا فيها أنيابهم، باعتبارها من أكبر وأغزر موارد الدم، ويمتصون الدماء فى شراهة ونهم، حتى تموت الضحية، التى لا تلبث أن تعود إلى الحياة بعدها، فى هيئة مصاص دماء جديد، وهكذا..
والطريف أن كل هذه الأفلام السينمائية قد بنيت على أحداث تلك الرواية الشهيرة (دراكيولا) للروائى البريطانى (برام ستوكر)، والتى استوحاها بدوره من سيرة الأمير الرومانى (فلاد يتبيس)، والذى سفك دماء آلاف من المحتلين، وعرف باسم (مصاص الدماء)، وذلك خلال فترة حكمه، ما بين عامى 1456، و1462م..
وعندما كتب (ستوكر) روايته، عام 1897م، لم يكن علم النفس قد تطوَّر، إلى الحد الذى يكفى لتحديد مخاوف الناس بشكل علمى، إلا أنه كان يدرك، على نحو فطرى تماماً، أن ذكر الدم يثير الرعب فى النفوس..
كل النفوس..
ولكن الذى ينبغى أن يثير مخاوفنا أكثر، هو أن الحالة التى تحدَّث عنها (ستوكر)، والتى أصبحت شهيرة ومعروفة، فى الأدب والسينما، لم تعد مجرَّد خيال محض، وإنما كشف العلم أن مصاصى الدماء حقيقة..
حقيقة طبية معروفة، ومسجَّلة فى عدد كبير من المراجع والكتب!!..
فمن بين عناصر الدم، توجد مادة اسمها (البروفيرين)، وهى ضرورية لتكوين وتثبيت مادة (الهيموجلوبين)، اللازمة لصلاحية الدم، كمادة لنقل الغذاء والأكسجين إلى خلايا الجسم، وفى بعض الحالات النادرة، يحدث نقص شديد فى هذه المادة، مما يؤدى إلى الإصابة بمرض غاية فى الندرة، من أمراض الدم، يسمى (البروفيريا)..
والمدهش أن المصابين بهذا المرض لهم وجوه شاحبة، أشبه بوجوه الموتى، وتطول أنيابهم على نحو واضح، كما تكون لديهم حساسية مفرطة لضوء الشمس، ولديهم احتياج دائم للدم، لتعويض النقص الشديد فى (الهيموجلوبين) فى أجسادهم..
وفى عام 1985م، كشف طبيب أمريكى ثلاث حالات مصابة بمرض (البروفيريا)، فى عائلة واحدة، فأعلن عن المرض، وعن أن مصاصى الدماء قد يكونون حقيقة وليس خيالاً..
ومن الطبيعى أن يثير هذا رعب الناس أكثر وأكثر، وخوفهم الغريزى من رؤية الدماء، وبالذات دمائهم هم، إذا ما نزفت من أجسادهم، لسبب أو لآخر..
وحالات (الفوبيا) المرضية من الدم لا تعتبر الأعلى، بين حالات (الفوبيا) الأخرى، ولكنها أوسع انتشاراً وتواجداً، فى معظم الشعوب والجنسيات، والديانات..
هذا لأننا جميعاً بشر، تجرى الدماء فى عروقنا..
أو خارجها..
و(فوبيا) الدم هذه ليست كلها من طراز واحد، فبعضها يرتبط بالدماء البشرية وحدها، عندما تسيل بغزارة أكثر من المعتاد، والبعض الآخر يرتبط بأية دماء نازفة، من أى مخلوق حى، لذا فأصحابها لا يحتملون رؤية حيوان يذبح أو طائر ينحر..
وفى حالات أخرى، لا يحتمل المريض رؤية قطرة واحدة من الدم، سواء من بشر، أو حيوان، أو طير، أو حتى حشرة..
ومع حالات أكثر ندرة، يصاب المرضى بهلع عنيف، إذا ما وقعت أبصارهم على أى شئ بلون الدم، حتى ولو كان قطعة من القماش، أو بقعة فوق لوحة تجريدية..
ورد الفعل، إزاء تلك (الفوبيا) يختلف فى كل حالة عن أخرى، ومع كل مريض عن آخر، ففى واحدة من الحالات النادرة، أصيب المريض بصدمة عصبية عنيفة، مع رؤية بركة من الدم، سالت من مصاب فى حادثة سير، وانتهى به الأمر إلى أن عقله قد استبعد اللون القرمزى الدموى تماماً، من كل شئ فى الوجود..
حتى الألوان، التى يدخل فى تركيبها اللون القرمزى، أصبح ذلك المريض يراها خالية منه، فاللون البرتقالى تحوَّل إلى الأصفر، والبنفسجى إلى الأزرق، أما الوردى والقرمزى، فقد تحوَّلا إلى اللون الأبيض أو الرمادى..
ولقد احتاج ذلك المريض إلى علاج نفسى طويل، قبل أن يتجاوز هذه (الفوبيا)، ويعود لرؤية لون الدم مرة أخرى، ولكنه لم يتخلص من (فوبيا) الدم أبداً، على الرغم من المحاولات المتصلة..
ولقد أجريت دراسات عديدة حول (فوبيا) الدم، إلا أنها لم تلق اهتماماً على المستوى العام، فقد حجبتها تماماً (فوبيا) أخرى، يشترك فيها تسعون فى المائة من البشر على الأقل..
(فوبيا) أكثر انتشاراً..
بكثير.
فتابعوا معى العدد القادم
فوبيا الــدم كتبها د.نبيل فاروق
نقلتها لكم
رواااااااااااااانا
* * *