كتبه د. ميشيل حنا
نقلته لكم رواان...
نعرفه باللغة الدارجة بمرض السكر، وهو مرض شائع جدا في مصر، وفي العالم عموما، وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يصل عدد المصابين به إلى 239 مليون شخص بحلول 2010.
يتميز المرض باختلال الأيض في الجسم وارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم؛ وذلك بسبب عدم وجود ما يكفي من هرمون الإنسولين في الجسم. أشهر أعراض المرض هي كثرة الذهاب إلى الحمام للتبول، والعطش. ويؤثر المرض على الكثير من وظائف الجسم إذا لم يحرص المريض على المواظبة على العلاج ومتابعة الحالة باستمرار، حيث يؤثر المرض على العين ويؤدي إلى تدهور الرؤية، والشعور بإرهاق عام، وكثير جدا من المضاعفات الأخرى.
وتقسّم منظمة الصحة العالمية المرض إلى ثلاثة أنواع: النوع رقم 1، والنوع رقم 2، وسكر الحمل. لكل نوع من الثلاثة أسباب مختلفة، وهي أسباب غامضة وملتبسة في معظم الأحيان، إلا أنها تصب جميعا لدى الخلايا بيتا الموجودة في البنكرياس. وعادة ما يكون سبب حدوث النوع الأول من داء السكري هو تفاعل مناعي داخلي يؤدي إلى تدمير الخلايا (بيتا) في البنكرياس (وهي المسئولة عن إفراز الإنسولين)، أما النوع الثاني فينتج عن وجود نوع من المقاومة في أنسجة الجسم ضد الإنسولين المُفرَز، مما يؤدي إلى الحاجة إلى كمية أكبر من الإنسولين؛ ليحدث التأثير المطلوب، ويحدث المرض عندما تفشل الخلايا (بيتا) في تلبية حاجة الأنسجة المتزايدة للإنسولين. بالنسبة لسكر الحمل، فسبب حدوثه شبيه بسبب حدوث النوع الثاني، وتحدث مقاومة الأنسجة للإنسولين في هذه الحالة تأثرا بهرمونات الحمل. يحدث الشفاء من سكر الحمل عند انتهاء الحمل، بينما السكر من النوعين رقم 1 و2 هما مرضان مزمنان ويجب تعاطي العلاج لهما مدى الحياة.
لحسن الحظ أن داء السكري أصبح قابلا للعلاج، وذلك منذ أن أصبح الإنسولين متوفرا طبيا عام 1921، وتتم معالجة النوع رقم 1 بحقن الإنسولين؛ لأن الجسم لا يفرز الإنسولين في هذا النوع، إضافة طبعا إلى اتباع أنظمة غذائية صحية. في النوع رقم 2 تستخدم الأقراص مع نظام التغذية ويمكن اللجوء إلى حقن الإنسولين أيضا.
السكر والإنسولين
لنفهم ما هو مرض السكر، يجب أن نعرف أولا ما هو دور الجلوكوز والإنسولين في الجسم.
الجلوكوز -وهو أحد أشكال السكر- هو مصدر الطاقة الذي تعمل به خلايا جسم الإنسان. بمعنى آخر، إذا قلنا أن السيارة تعمل بالبنزين فجسم الإنسان يعمل بالجلوكوز. ويحصل الإنسان على الجلوكوز عن طريق الطعام، فعن طريق عمليات التمثيل الغذائي يتم تكسير السكريات والنشويات إلى الجلوكوز وامتصاص الجلوكوز إلى مجرى الدمّ ليتم توزيعه على خلايا الجسم حتى تحرقه؛ ليكون مصدرا للطاقة. وهنا يأتي دور الإنسولين، حيث يعمل الإنسولين على مساعدة السكر على الدخول إلى الخلايا، ولا يستطيع السكر الدخول إلى الخلايا بدون الإنسولين.
ويأتي الإنسولين من خلايا لانجرهانز في البنكرياس، وبالتحديد من الخلايا بيتا التي توجد ضمن خلايا لانجرهانز. فعندما يأكل الإنسان يبدأ البنكرياس في إفراز الإنسولين إلى مجرى الدم. ويعمل الإنسولين مثل مفتاح يقوم بفتح أبواب معينة في الخلايا لدخول الجلوكوز إليها، وبالتالي تقلّ نسبة السكر في الدم لدخوله إلى الخلايا التي تقوم بحرقه للحصول على الطاقة، وعندما يشعر البنكرياس بانخفاض مستوى السكر في الدم يقوم بدوره بتقليل إفراز الإنسولين.
أما الكبد فيقوم بتخزين الجلوكوز على هيئة جليكوجين، ليقوم بتحويله إلى جلوكوز مرة أخرى وقت الحاجة إذا لم يتناول الإنسان ما يكفي من الطعام.
النوع رقم 1
ويسمى أيضا سكر الأطفال أو السكر الوراثي أو السكر المعتمد على الإنسولين IDDM، وسبب حدوثه هو حدوث تفاعل مناعي يؤدي إلى دمار خلايا لانجرهانز المنتجة الإنسولين -أو معظمها- في البنكرياس كما قلنا من قبل، وعلى هذا فلا يوجد إنتاج للإنسولين في الجسم (أو أن إنتاجه قليل جدا) ويجب الحصول عليه من مصدر خارجي لدخول السكر إلى الخلايا ليتحول بدويره إلى طاقة في خلايا الجسم. يمكن أن يحدث هذا النوع من المرض في أي عمر، إلا أنه يحدث في الغالب في فترة الطفولة أو المراهقة، وفي الغالب يحدث قبل سن الثلاثين، وهو أقل شيوعا من النوع الثاني. ويحدث المرض بسبب عوامل جينية، أو بسبب تعرض الجسم لفيروسات معينة.
وبالرغم من الأبحاث العديدة التي أجريت لمحاولة إيجاد علاج فعال للمرض، إلا أنها جميعا لم تُفضِ إلى شيء، حيث يجب تعاطي العلاج مدى الحياة والالتزام بنظم غذائية معينة.
أعراض المرض
هي الإحساس بالعطش وشرب كميات كبيرة من الماء والذهاب للتبول على فترات متقاربة أكثر من الطبيعي، مع إحساس دائم بالجوع بسبب عدم وصول السكر إلى الخلايا التي تحتاج إليه لإنتاج الطاقة، ويظل الإحساس بالجوع قائما حتى بعد تناول الطعام. بالرغم من تناول كميات كبيرة من الطعام إلا أن الوزن يقل، فبسبب عدم وصول السكر إلى الخلايا والعضلات، فإن الجسم يبدأ في حرق الدهون المخزنة لإنتاج الطاقة التي يحتاج إليها. الإرهاق أيضا من علامات الإصابة بالمرض، ويحدث الإرهاق بسبب حاجة الخلايا للطاقة لكنها لا تحصل عليها. هناك أيضا اضطراب الرؤية بسبب سحب الماء من عدسة العين بواسطة الخاصية الأسموزية بسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم.
أما علاج مرض السكر من النوع الأول فيتمثل في حقن الإنسولين، مع المراقبة المستمرة لمستويات الجلوكوز في الدم عن طريق عمل تحاليل الدم.
النوع رقم 2
يعرف أيضا بسكر البالغين أو بمرض السكر غير المعتمد على الإنسولين NIDDM. وينتج هذا النوع من المرض بسبب عدم استجابة مستقبلات الإنسولين في خلايا الجسم للإنسولين، مع أو بدون قلة إفراز الإنسولين في الجسم.
وعلى عكس النوع الأول الذي لا يمكن تجنبه فإن المرض هنا يمكن الوقاية منه، وإن كان هذا النوع قد أصبح أكثر شيوعا بعد تفشي البدانة في العالم.
أعراض المرض هي نفس أعراض النوع رقم 1. وهناك بعض العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالمرض، منها الوزن الزائد، حيث كلما زادت كمية الدهون في الجسم كلما قلت حساسية الخلايا واستجابتها للإنسولين. أيضا قلة الحركة والخمول، وعامل العمر، حيث تزيد فرصة الإصابة للأشخاص الأكبر من 45 عاما، إضافة إلى تاريخ العائلة المرضي.
ويبدأ العلاج عادة بزيادة النشاط البدني وتقليل الوزن والتحكم في النظام الغذائي لتقليل نسبة السكر، وأحيانا تنجح هذه الإجراءات، إلا أنه عادة ما يحتاج المصاب إلى تعاطي دواء لخفض مستوى السكر في الدم، وأحيانا قد يحتاج المريض إلى الإنسولين إذا لم تكن هناك استجابة للأدوية.
سكر الحوامل
وهذا النوع من المرض كثير الشبه بالنوع الثاني، من حيث عدم استجابة خلايا الجسم للإنسولين، إلا أن هذه الحالة هنا مؤقتة بسبب تأثر الخلايا بهرمونات الحمل، وتشفى الحالة بعد الولادة وانحسار الهرمونات. ويصيب المرض 2 - 5% من الحوامل.
ويمثل المرض خطورة كبيرة على الجنين، وغالبا ما يولد الطفل في هذه الحالة بعملية قيصرية.
يوصف الإنسولين في معظم الحالات، وتواظب الأم على استعماله حتى الولادة.
لا زلنا مع مرض السكر، حيث نعرف المزيد عن المرض في الحلقة القادمة.
تابعوها معى