هـذا هو الإسـلام ـ حـوار هـادئ مع قداسة بابا الفاتيكان بقلم فضيلة الإمام الأكبر: د. محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهـــــر ـ الجزء الثامن عشر (الأخير)
08 مارس, 2007
(2) كذلك من المحاورات التى وردت فى القرآن الكريم فى مئات الآيات القرآنية تلك المحاورات التى دارت بين الرسل وأقوامهم ......
وهذه المحاورات وردت فى عشرات المواضع من القرآن الكريم ، ومنها : ما ساقه القرآن الكريم على ألسنة الرسل بصفة عامة ، ومنها ما قصه القرآن على لسان كل نبى بصفة خاصة .
فمن المحاورات التى بين الرسل وأقوامهم بصفة عامة قوله - تعالى- : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (سورة إبراهيم : 9-12) .
هذه الآيات الكريمة تعطينا صورة واضحة محاورات التى دارت بين الرسل وأقوامهم بصفة عامة ، ونرى منها : إرشاد الرسل وأقومهم إلى الحق ، بأسلوب حكيم ، كما نرى منها موقف الأقوام السيىء من رسلهم .
أما المحاورات التى دارت بين كل رسول مع قومه بصفة خاصة فما أكثرها ، ونكتفى هنا بنموذج واحد من الحوارات التى حدثت بين خطيب الأنبياء شعيب - عليه السلام - وبين قومه ، ويقص القرآن الكريم بأسلوبه البليغ الحكيم ذلك فيقول : (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) والأيكة : منطقة مليئة بالأشجار، وكان يعيش فيها قوم شعيب عليه السلام : (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ) أى : خلقكم أنتم وخلق الأمم سابقة عليكم .
بهذه النصائح الغالية الحكيمة نصح شعيب - عليه السلام - قومه ، وحاورهم بهذا الأسلوب البليغ ، ولكنهم قابلوا نصحه بكل سفاهة وغرور (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أى من اللذين أصابهم السحر والجنون (وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) . كسفا ، أى : عذابا .
وهنا يرد عليهم شعيب بقوله : (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) فماذا كانت نتيجتهم ؟ كانت نتيجتهم الهلاك كما قال ـ سبحانه ـ (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (سورة الشعراء : الآيات 176-191).
هذا جانب من حوار الخالق مع بعض مخلوقاته ، وجانب آخر من حوار الرسل مع أقوامهم ، وهناك ألوان أخرى من الحوارات التى ساقها القرآن الكريم مع أهل الكتاب ، ومع المنافقين ، وحوارات أخرى عما أحله الله وحرمه .. وحوارات عن طريق السؤال الجواب ، وحوارات بين الأخيار والأشرار. وهى كلها حوارات المقصود منها : العظة والاعتبار، والإرشاد إلى طريق الهداية والرشاد.
وبعد ، فإنى قصدت من هذا المقال - يا قداسة البابا- أن أوضح لك أن الحوار الذى أنت تنادى به ، قد نادى به الإسلام بطريقة أكمل وأعدل وأفضل وأشمل ؛ لأنه يقوم على اعتبار الناس جميعا من أصل واحد ، وأن الاختلاف بينهم فى العقائد لا يمنع من التعاون ، وأن الإسلام بمعنى إسلام الوجه لله - عز وجل - وإخلاص العبادة له هو دين جميع الأنبياء ، وأن الأنبياء جميعا قد جاءوا برسالة واحدة هى إخلاص العبادة لله ، ووجوب التحلى بمكارم الأخلاق ..
وبهذه المناسبة وأنت ـ يا قداسة البابا- تكرر الدعوة إلى الحوار- قد أرسلت أنا إلى قداستك منذ شهور رسالة عن طريق سفيرك بالقاهرة أطلب من قداستك فيها رأيك بعد حادث الصور المسيئة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبينت لقداستك فيها استعدادى للحوار حول هذه المسائل التى فيها إساءات بالغة وقبيحة إلى الرسل الكرام .. ولكن لم يصلنى من قداستك أى رد لا من قريب ولا من بعيد ، فهل هذا من أدب الحوار الذى تنادى به بأعلى صوتك يا قداسة بابا الفاتيكان؟!
أرجو أن يكون كلامنا ونحن رجال دين يطابق أفعالنا ، كما أدعو الله لنا جميعا بالهداية إلى الطريق المستقيم .
08 مارس, 2007
(2) كذلك من المحاورات التى وردت فى القرآن الكريم فى مئات الآيات القرآنية تلك المحاورات التى دارت بين الرسل وأقوامهم ......
وهذه المحاورات وردت فى عشرات المواضع من القرآن الكريم ، ومنها : ما ساقه القرآن الكريم على ألسنة الرسل بصفة عامة ، ومنها ما قصه القرآن على لسان كل نبى بصفة خاصة .
فمن المحاورات التى بين الرسل وأقوامهم بصفة عامة قوله - تعالى- : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (سورة إبراهيم : 9-12) .
هذه الآيات الكريمة تعطينا صورة واضحة محاورات التى دارت بين الرسل وأقوامهم بصفة عامة ، ونرى منها : إرشاد الرسل وأقومهم إلى الحق ، بأسلوب حكيم ، كما نرى منها موقف الأقوام السيىء من رسلهم .
أما المحاورات التى دارت بين كل رسول مع قومه بصفة خاصة فما أكثرها ، ونكتفى هنا بنموذج واحد من الحوارات التى حدثت بين خطيب الأنبياء شعيب - عليه السلام - وبين قومه ، ويقص القرآن الكريم بأسلوبه البليغ الحكيم ذلك فيقول : (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) والأيكة : منطقة مليئة بالأشجار، وكان يعيش فيها قوم شعيب عليه السلام : (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ) أى : خلقكم أنتم وخلق الأمم سابقة عليكم .
بهذه النصائح الغالية الحكيمة نصح شعيب - عليه السلام - قومه ، وحاورهم بهذا الأسلوب البليغ ، ولكنهم قابلوا نصحه بكل سفاهة وغرور (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أى من اللذين أصابهم السحر والجنون (وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) . كسفا ، أى : عذابا .
وهنا يرد عليهم شعيب بقوله : (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) فماذا كانت نتيجتهم ؟ كانت نتيجتهم الهلاك كما قال ـ سبحانه ـ (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (سورة الشعراء : الآيات 176-191).
هذا جانب من حوار الخالق مع بعض مخلوقاته ، وجانب آخر من حوار الرسل مع أقوامهم ، وهناك ألوان أخرى من الحوارات التى ساقها القرآن الكريم مع أهل الكتاب ، ومع المنافقين ، وحوارات أخرى عما أحله الله وحرمه .. وحوارات عن طريق السؤال الجواب ، وحوارات بين الأخيار والأشرار. وهى كلها حوارات المقصود منها : العظة والاعتبار، والإرشاد إلى طريق الهداية والرشاد.
وبعد ، فإنى قصدت من هذا المقال - يا قداسة البابا- أن أوضح لك أن الحوار الذى أنت تنادى به ، قد نادى به الإسلام بطريقة أكمل وأعدل وأفضل وأشمل ؛ لأنه يقوم على اعتبار الناس جميعا من أصل واحد ، وأن الاختلاف بينهم فى العقائد لا يمنع من التعاون ، وأن الإسلام بمعنى إسلام الوجه لله - عز وجل - وإخلاص العبادة له هو دين جميع الأنبياء ، وأن الأنبياء جميعا قد جاءوا برسالة واحدة هى إخلاص العبادة لله ، ووجوب التحلى بمكارم الأخلاق ..
وبهذه المناسبة وأنت ـ يا قداسة البابا- تكرر الدعوة إلى الحوار- قد أرسلت أنا إلى قداستك منذ شهور رسالة عن طريق سفيرك بالقاهرة أطلب من قداستك فيها رأيك بعد حادث الصور المسيئة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبينت لقداستك فيها استعدادى للحوار حول هذه المسائل التى فيها إساءات بالغة وقبيحة إلى الرسل الكرام .. ولكن لم يصلنى من قداستك أى رد لا من قريب ولا من بعيد ، فهل هذا من أدب الحوار الذى تنادى به بأعلى صوتك يا قداسة بابا الفاتيكان؟!
أرجو أن يكون كلامنا ونحن رجال دين يطابق أفعالنا ، كما أدعو الله لنا جميعا بالهداية إلى الطريق المستقيم .